الأربعاء، 4 مايو 2016

المعادلات القاسية - قصة من الخيال العلمي (مترجمة)


المعادلات القاسية
Cruel equations


قصة : روبرت شيكلي

By:Robert Sheakley


translated by: Salih Habeeb
ترجمة : صالح حبيب

بعد الهبوط على كوكب ريغوليوس الخامس جعل رجال البعثة الأستكشافية مخيمهم على رقعة ضيقة من الأرض وأحاطوا موقع المخيم بسور مرتفع منيع لا يمكن النفاذ منه الى الداخل مهما كانت الوسائل ،إلا من المدخل الرئيسي الوحيدة حيث انتصب روبوتا من نوع {BR-22-0134} لحراسته. وتتمتع هذه الروبوتات بنوع من الذكاء الصناعي . وكان اعضاء البعثة ينادونه بأسم ماكس.
هذا النوع من الروبوت أو الأنسان الآلي يستطيع السير على قدمين آليتين ، وهو مزود بذاكرة الكترونية لها القدرة على التفكير المنطقي الى حد ما ، والطريف في الأمر ان ماكس يمتلك القدرة على الحديث بكلام مفهوم ولكن من يسمع صوته سيدرك حالا بانه لايستمع الى صوت بشري وانما لصوت معدني جاف وخالي من أي احساس او مشاعر وانه ينبعث بكل تأكيد من آلة ذكية.استخدمت البعثة الأستكشافية العلمية هذا الروبوت لحراسة المخيم من اجل التصدي للمخاطر التي قد تواجههم على سطح الكوكب ريغوليوس الخامس فماكس جدير بمهمات كهذه لأنه مزود بأسلحة اشعاعية فتاكة يستعملها للدفاع والهجوم تعمل بمنظومة تتحكم فيها ذاكرته .
كان ماكس والذي يصل ارتفاعه الى اربعة اقدام يلمع تحت اشعة الشمس المزدوجة للكوكب. ويبدو ان رجال البعثة يعاملونه بكل جدية ولطف وكأنهم يتعاملون مع طفل فائق الذكاء ، وبالطبع فهم ليسوا على صواب في هذا الأمر لأن هذا الروبوت لا يحمل أي من الصفات التي يصفونه بها وهم يفهمون ذلك جيدا إلا انهم يفعلون ذلك تندرا. فهو لا يتفوق بذكائه حتى على راعي الأغنامماكورماكالذي يعيش في مدينة السيد هالوران على كوكب الأرض . و يمكن مقارنته بمحرك او بجهاز راديو ولكن لايمكن مقارنته بأي شيء له علاقة بالبشر. فالميزة الأنسانية الوحيدة التي يمتلكها الروبوت{BR-22-0134} هي التفكير بطريقة الأحتمالات.
كان ماكس واقفا في حراسة المخيم امام المدخل وهو يبدو كطفل صغير حزين بعينين حمراوين وقد تفتحت حواسه الألكترونية بأكملها استعدادا للذود عن المخيم ضد أي خطر محتمل من قبل الغرباء أو ممن يحاولون اقتحام المخيم او الدخول بشكل غير مشروع . استقل الكابتن بيتي ومساعده جيمس الحوامة الأستكشافية وانطلقا في رحلتهم لأستكشاف معالم الكوكب والتي ستستغرق عدة ايام ، بينما بقي المساعد الثاني هالورانلأدارة شؤون المخيم في غياب رفيقيه . كان هالوران قصير القامة ممتلئ الجسم اسطواني الصدر وكان مرحا منمش الوجه ، خشن الطباع ، عنيد وواسع الحيلة والدهاء. وبعد ان تناول طعام الغداء ودوَّن المعلومات التي بعثها فريق الأستكشاف بواسطة الراديو ، فتح كرسي القماش واستلقى عليه لأخذ قسط من الراحة ولإلقاء نظرة على طبيعة الكوكب الصحراوية الساخنة سخونة لا تطاقبسبب وجود شمسين في سمائه. كانت ارض الكوكب مليئة بالصخور والحصى المتناثر هنا وهناك ، كانت الحمم تسيل من كل مكان ، ورغم طبيعة الكوكب التي كانت تبدو كالجحيم إلا ان بعض الطيور الشبيهة بالعصافير الدورية كانت تظهر في السماء بين فترة وأخرى وبعض الحيوانات الشبيهة بالقيوطات وهو نوع من الثعالب الصغيرة التي تعيش في صحارى اميركا كانت تتجول بين النباتات الشبيهة بالصبار المألوف في صحارى الأرض.
سحب هالوران نفسه بتثاقل واتجه صوب الحارس الآلي وقال له :
ـ ماكس.. سأذهب لألقاء نظرة خارج المخيم وأعتبر نفسك في الواجب حال مغادرتي .. هل فهمت يا صغيري ؟
توقف ماكس عن تجواله واجاب
ـ نعم يا سيدي ، سأكون في الواجب .
ـ ولا تسمح للغرباء بالدخول الى المخيم ، خصوصا أولئك الذين يمشون على اطرافهم الخلفية هل فهمت يا ماكس؟
ـ نعم سيدي فهمت
لم يكن ماكس يمتلك روح النكتة ، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالغرباء
ـ هل تعرف كلمة المرور يا سيد هالوران ؟
ـ نعم أعرفها يا ماكس، وانت ؟
ـ نعم يا سيدي انا أيضا أعرفها.
ـ حسناً ، أراك فيما بعد
غادر هالوران المخيم وراح يتجول للأطلاع على طبيعة الكوكب بالقرب من مكان التخييم ،وعندما لم يجد ما يثير الأهتمام عاد متجها الى المخيم من جديد ، وكم شعر بالغبطة حينما شاهد من بعيد {BR-22-0134} وهو يقوم بواجبه المعتاد في الحراسة على أكمل وجه ، فهذا يعني ان كل شيء على مايرام ، فتمشى راجعا الى المخيم حتى اذا صار على مسافة بضعة امتار من المدخل الوحيد للمخيمحيث يقف ماكسالحارس الآلي المعقد التركيب لحراسته ، بادره بسؤال تقليدي
ـ مرحبا ماكس، هل من رسالة لي من الفريق ؟
لكن الحارس الآلي صرخ بوجهه بصوت قوي حاد النبرات وبلهجة تهديد :
ـ قف !!
وطلب من هالوران اعطاء كلمة المرور ، إلا ان هالوران اجابه بأمتعاض وهو مستمر في تقدمه نحو المدخل :
ـ كف عن هذه المسرحية يا ماكس فليس لدي مزاج لهذه الـ..ـــ
ـ قف!!
صرخ الحارس مرة أخرى عندما لم يمتثل هالوران للأمر . ولكن هالوران توقف هذه المرة وهو يزمجر بغضب بينما كانت عينا ماكس الضوئيتين تومضان بنور احمر وقد ارتفع صفير متقطع من احد اجهزته تنذر بتهيؤ اسلحته الأشعاعية الدفاعية للعمل حالما يخالف الرجل القادم أوامره للمرة الثالثة . فقرر هالوران ان يتقدم بحذر ، وقال :
ـ ها انا ذا .. اسمي هالوران .. والآن يا ماكسي ..؟
ـ أعط ـ كلمة ـ المرور ـ رجاءا
ـ الأجراس الزرقاء ، والآن ان لم يكن لديك مانع ..
ـ لا تحاول الدخول الى المخيم .. كلمة المرور ليست صحيحة.
ـ يا للجحيم ، انا الذي لقنتك اياها بنفسي يا ماكس .. الأجراس الزرقاء
ـ انها الكلمة القديمة يا سيدي.
ـ القديمة !؟ .. يالعقلك المتحجر المعدني المتشابك الأسلاك..الأجراس الزرقاء هي كلمة المرور الوحيدة ، ولم يعطك احد كلمة جديدة ، لأنه لا يوجد كلمة جديدة ، مالم ..
انتظر ماكس، وجمع هالوران شتات فكره ، وأكمل كلماته بقلق شديد :
ـ..مالم يكن الكابتن بيتي قد أعطاك كلمة جديدة قبل مغادرته المخيم .. أليس هذا ما حصل بالفعل ؟
ـ بلى .. هذا ما حصل بالفعل يا سيدي .. لقد استبدلت كلمة المرور .
فقال هالوران بعصبية :
ـ كان علي ان افكر بهذا ..
ابتسم هالوران ولكنه كان منزعجا ، فأن امرا كهذا قد حصل مرارا في السابق ولكن كان هناك احدهم موجودا على الدوام في داخل المخيم ليقوم بأنقاذ الموقف .
ولأول وهلة كانت المسألة تبدو بسيطة جدا ، ولكنها في الواقع اكثر من ان تكون مزاحا . افترض هالوران بانه من الطبيعي ان {BR-22-0134} مبرمج بعدد من الحجج المنطقية ..وهنا..قال :
ـ ماكس، ربما ان الكابتن بيتي قد ابلغك بالكلمة الجديدة ولكنه نسي ان يبلغني بها ، ومما زاد الطين بلة ، انني لم أتأكد من كلمة المرور بجهاز الراديو قبل مغادرتي المخيم .
لم يعلق ماكسعلى هذا ، فواصل هالوران حديثه قائلا:
ـ وعلى أية حال فأنه خطأ بسيط يمكن تصحيحه بسهولة
ـ أرجو ذلك يا سيدي
فقال هالوران وقد بدا عليه هذه المرة بأنه يتأهب لمواجهة مشكلة حقيقية :
ـ طبعا يا ماكس، انا والكابتن نتخذ دائما إجراءا خاصا لحالات كهذه ، فعندما يعطيك كلمة مرور معينة ، فهو يبعثها لي ايضا بجهاز الراديو ولكن في حالة وجود سهو او عدم وجود وقت لأخباري بها ـ كما يحصل الآن ـ فأنه يدونها في سجل الملاحظات قبل مغادرته.
قال ماكس:
ـ أحقا ؟
اجابه هالوران بأعتداد :
ـ نعم ..هو يفعل ذلك على الدوام وبشكل منتظم وآمل انه فعل ذلك هذه المرة أيضا ، هل تشاهد تلك الخيمة في الداخل ؟
تحولت احدى عيني ماكسالألكترونيتان واللتان تعملان عمل آلات التصوير التلفزيونية باتجاه الخيمة بينما ظلت الأخرى تراقب هالوران ،وقال :
ـ نعم أراها
ـ حسنا يا ماكسي الحبيب .. يوجد في داخل الخيمة منضدة وعليها لوح رمادي صغير ذو مشبك معدني ..
ـ نعم هذا صحيح
ـ رائع يا ماكسي والآن اذا ما دققت النظر ، ستشاهد قطعة من الورق مثبتة على اللوح بالمشبك المعدني ، وعليها دونت تفاصيل معينة كالنشاطات والبرامج الخاصة بالمخيم ونداءات الراديو وأشياء اخرى وفي رأس الورقة ستجد كلمة المرور المطلوبة وقد أحيطت بدائرة حمراء.
نظم الحارس الآلي عدساته أوتوماتيكيا حتى ثبتها على المدى المطلوب ثم قال :
ـ ما تقوله صحيح ، ولكن ليس لذلك اهمية عندي فأنا لا اهتم لكلمة المرور أو لمكان وجودها . ولكنني أهتم بمعرفتك لها ، فلو أثبتَّ معرفتك بها وأخبرتني بها ،فسأكون مجبرا على السماح لك بدخول المخيم ، وان لم تفعل فمن واجبي ان ابقيك في الخارج.
صرخ هالوران بغضب :
ـ هذا جنون .. ماكس .. ايها الآلة الحمقاء ، انني.. انني هالوران وانت..اللعنة عليك .. تعرف ذلك جيدا ، فنحن نعمل سوية منذ ان بدأت أجهزتك اللعينة هذه بالعمل ، والآن ، كف عن هذا الهراء و دعني ادخل.
قال الروبوت:
ـ ان تشبهك بالسيد هالوران فائق الغرابة ومتقن ، ولكن حواسي الألكترونية لم تبرمج للعمل على اساس ملاحظاتي ومداركي الألكترونية فقط، فالدليل الوحيد الذي اتقبله هو كلمة المرور ذاتها ياسيدي .
ضرب هالوران الأرض بقدمه ، ثم تصنع الهدوء وقال بلهجة متمهلة:
ـ ماكس، يا رفيقي القديم يخيل الي انك تعاملني وكأنني احد الغرباء ؟
اجاب ماكسبصوته البارد الخالي من أية لمسة عاطفية:
ـ بما انك لم تعط كلمة المرور فعلي ان اعمل بهذا الأعتبار.
اغتاظ هالوران من هذه الآلة المؤتمتة فصاح وهو يتقدم اليه:
ـ ماكس..بحق السماء..!!
صاح ماكسمحذرا :
ـ لا تحاول المرور من البوابة
التمعت تحت اشعة شمس الكوكب الهوائيات المرتفعة من جانبي ماكس وقال لهالوران بقسوة
ـ اياً كنت ..آمرك بالتراجع الى الوراء
رد هالوران بسرعة وهو يتقهقر:
ـ حسنا ..انني اتراجع ، لا تغضب
تراجع هالوران مبتعدا عن المخيم وانتظر حتى سكنت اجهزة أستشعار الرجل الآلي، فأعتلى حجرا مما تناثر حوله على الأرض الجرداء .وسرعان ما بدا له الأمر معضلة حقيقية وعليه ان يفكر بها بجديةاكثر.
انتصف النهار . ولم يكن نهار كوكب ريغوليس الخامس نهارا اعتياديا لأنه يستغرق الف ساعة من الساعات الأرضية ، وتتوسط سمائه البيضاء الساطعة ، شمس مزدوجة تتكون من شمسين ، أحداهما زرقاء شديدة السطوع والأخرى صغيرة بيضاء و ساخنة من ذلك النوع من النجوم المعروفة بالأقزام البيضاء، تتحرك بتكاسل مضجر على صفحة السماء .محيلة ارض الكوكب وصخوره السوداء الرمادية الى فرن طبيعي لا يمكن ان يصمد فيه الأنسان بلا ماء أو طعام أو ظل وحتى ولو لساعات معدودة.
كان احد الطيور يحوم في السماء بدوائر تبعث الملل بالنفس في جو جاف وملتهب كهذا ، بعض الحيوانات الصغيرة كانت تنتقل من ظل صخرة الى ظل أخرى ، مخلوق آخر يشبه الجرذ كان منهمك بقضم أحد اوتاد الخيمة ، ولم يكن الروبوت الحديدي الأزرق البراق يعير له أي أهتمام ، بينما جلس هالوران على الصخرة وهو يراقب الأنسان الآلي بنظرات حائرة مرهقة، إذ بدأ يشعر بتأثير حرارة الشمس وهي تدك رأسه وعظامه ، وألهب العطش فمه وأحشاءه ، فهو لن يصمد كثيرا في ظروف كهذه ، وقد يموت عطشا اذا لم يجد حلا ، فلا يوجد في المنطقة مياه ، سوى داخل المخيم ، وإلا عليه ان يقطع عشرات الأميال للحصول على الماء ، وان فعلها فهذا يعني انه سيقضي نحبه تحت اشعة الشمس المحرقة عطشا وجوعا قبل ان يكمل ربع المسافة . فداخل المخيم توجد كمية من المياه المعبئة في القناني،ولكن كيف السبيل لبلوغها وهذا الأحمق الآلي يتربص به .
الكابتنبيتيوجيمس لن يصلا قبل ثلاثة او أربعة أيام أرضية ، ولا يعلم كم سيبقى صامدا بدون ماء ؟ ان ذلك يعتمد على نسبة ما يفقد من سوائل جسمه بكل دقيقة ، فإذا ما تحمل فقدان عشرة بالمائة من وزنه فسيصاب بصدمة تكون فيها نهايته ، وحسب معلوماته ان البدو الرحل من رجال القبائل الصحراوية الذين تنفد مؤنهم لسبب او لآخر يستعدون للقاء أجلهم خلال اربع وعشرين ساعة.
كان ريغوليوس الخامس متقدا كالجحيم ، ومقفرا مثل واد ميت اما النهار على هذا الكوكب فبواحد وأربعين يوما ارضيا.
كان الوقت ظهرا ، وعلى هالوران ان يبقى تحت شمسه المزدوجة المحرقة خمسمائة ساعة اخرى قبل ان يحل الظلام ، وليس هناك أي مكان ظليل ..كم سيصمد ياترى ؟
قد يصمد يوما أرضيا أو يومين على اكثر تقدير ، فعليه ان يحصل على الماء من المخيم ، وان يحصل عليه حالا ، وهذا يعني انه يجب ان يجتاز هذه الآلة الألكترونية التي تمنعه من الدخول .
أخيرا قرر ان يعاود المحاولة مع ماكس مرة اخرى بطريقة قد يستطيع الدخول بها الى المخيم.
المنطق ، نعم ، المنطق ، فبواسطته يمكن خداع العقل الألكتروني وتعجيزه !
اقترب الى مسافة آمنة من ماكس وقال له :
ـ ماكس.. عليك ان تعرف يا ماكس بأنني انا هالوران قد غادرت المخيم وانني انا هالوران قد عدت اليه بعد ساعة من مغادرتي له .. وهكذا فأنني انا هالوران اقف امامك الآن بدون كلمة المرور.
أقرَّ الروبوت للسيد هالوران بأمكانية صحة ما يقوله هالوران:
ـ الأحتمالات قوية جدا لصالح تفسيرك هذا .
استمر هالوران
ـ ولذا..
فقاطعه ماكس:
ـ ولكنني لا أستطيع ان آخذ بالأحتمالات فقط ولا حتى بـ(الصحيح تقريبا) ، ومن ثم فأنا مبرمج لتنفيذ غرض محدد هو معالجة الغرباء بأسلحتي هذه ان لزم الأمر ، مع عدم الأخذ بأي افتراض احتمالي اصادفه.
ـ اذن هل لك ان تعطيني قنينة ماء لأشرب ؟
ـ كلا ، فهذا سيكون مخالفا للأوامر
فأجاب هالوران بعصبية
ـ ومتى حصلت على أوامر تتعلق بالماء ؟
ـ لم أحصل على أوامر خاصة بالماء ، بل انها قرارات تصدر من جهاز السيطرة الأبتدائي ، فلا ينبغي ان اتعاون مع الغرباء.
دمدم هالوران بكلمات مع نفسه وثارت ثائرته حتى صار على وشك الهجوم على هذه الآلة وتدميرها ولكنه خشي ان تعالجه اسلحتها الأشعاعية الفعالة والسريعة الرد بومضة قاتلة من الأشعة ، ولكن ماكس ، تجاهل دمدمته وانفعالاته ، لأن انفعالات نفسية كهذه لا تعني شيئا بالنسبة لروبوت او عقل الكتروني .
وبعد برهة ، تحرك الغريب الذي يدعو نفسه هالوران بعيدا عن انظار ماكس واختفى خلف الصخور.
بعد دقائق خرج من خلف الصخور نفسها ، مخلوقا يتمشى بنشاط ويصفر بفمه مرحا ، وعندما وصل قرب ماكس قال محييا :
ـ مرحبا يا ماكس
ـ أهلا سيد هالوران
ـ لقد كنت في جولة قصيرة في الجوار ، ولكنني عدت فلم أجد مايدعو الى المشاهدة ، قل لي..هل حصل شيء مهم اثناء غيابي ؟
ـ نعم يا سيدي ، فقد حاول أحد الغرباء دخول المخيم
رفع هالوران حاجبيه متصنعا الأستغراب وقال:
ـ أحقا ؟
ـ نعم ياسيدي.
ـ وكيف يبدو هذا الغريب ؟
ـ انه يبدو شديد الشبه بك سيد هالوران
ـ يا للهول ! وكيف تأكدت بأنه ليس أنا ؟
ـ لقد حاول دخول المخيم دون ان يعطي كلمة المرور ، وهذا بالطبع ، لا يفعله السيد هالوران الحقيقي.
ـ بالضبط ، طبعا ، طبعا ، أحسنت يا ماكسيالعزيز ، علينا ان نكون يقظين دوما لمثل هذه الأشياء.
ـ نعم يا سيدي .. شكرا
كان هالوران راضيا عن سير الخطة الى هذا الحد ، فلقد استنتج بأن ماكسوبحدود تركيبته الألكترونية ، يتعامل مع من يقابله بعقل فذ ، ويناقشه بمنطق و يتخلص منه بطريقة انسانية ، وهذا ما يحصل الآن بالفعل ، فلا يمتلك ماكس تجربة سابقة في هذا المجال فلقد غذي بمعلومات محددة تعلمه بأن رجال الأرض هم أولئك الذين يعرفون كلمة المرور ، أما الغرباء فهم بطبيعة الحال لا يعرفونها ، ولكنهم يحاولون دائما دخول المخيم ويفترض به ان لا يكون غريبا داخلا بالأكراه ، وعليه ، فهو رجل ارضي.
فكر هالوران بالأمر ، ووجد اخيرا بانها فكرة جيدة لرجل فقد نسبة كبيرة من الماء.
قال هالوران:
ـ ماكس .. خلال جولتي هذه قمت بأكتشاف شئ مهم .
ـ وما هو ياسيدي؟
ـ لقد وجدت بأننا قد خيمنا على حافة شق ارضي ، وخطوط التشقق واضحة بحيث انها تجعل من شق سان اندرياس على كوكب الأرض يبدو بالنسبة لها كشعرة رفيعة.
ـ انه خبر سيء يا سيدي ، وهل هناك خطورة كبيرة ؟
ـ يا لك من أبله من الصفيح ..طبعا ان هناك خطورة ، وخطورة كبيرة ايضا ، هذا يعني بأن هناك عمل شاق بأنتظارنا نحن الأثنين ..انا و انت يا ماكسي ، فسوف نقوم بتحويل المخيم بكامله الى مسافة ميلين غرباً والآن .. هيا بسرعة ، أجلب قناني الماء وأتبعني ..
ـ نعم يا سيدي ..حالما تأذن لي
ـ حسنا ،أنا آذن لك ، هيا بنا اسرع
ـ لا استطيع .. عليك ان تأذن لي وذلك بأن تسمعني كلمة المرور ، وعندها فقط ، يمكنك ان تأمرني بالكف عن حراسة هذا الموقع.
قال هالوران بنفور :
ـ ليس هناك وقت للمعادلات ، الكلمة الجديدة هيالسمكة البيضاءتحرك يا ماكس لقد بدأت أشعر بأهتزاز الأرض.
قال ماكس :
ـ انا لا اشعر بشيء
قال هالوران :
ـ ولماذا تشعر انت بذلك ؟ فما انت إلا رجل آلي وليس مخلوقا بشريا يتمتع بخبرات خاصة ،وأجهزة ذات تناسق ذاتي ، فلو امتلكتَ ذلك لأحسست بالأهتزاز.
قال ماكس :
ـ ان ما تقوله صحيحا بالفعل
ـ اذن تحرك يا ماكس
اجاب ماكس
ـ تقنيا ، لا أستطيع يا سيدي ، لأنه من المستحيل ان أغادر هذا الموقع بدون ان اسمع رمز الأنطلاق..فأرجوك يا سيدي ، أطلقني.
قال هالوران :
ـ لا تكن خائفا الى هذا الحد فسوف لن تغادر المخيم .
قال ماكس:
ـ ولكن ماذا عن الزلزال.
قال هالوران :
ـ لقد قمت بحسابات جديدة ، وظهر بأن لدينا من الوقت أكثر مما تصورت ، سوف أذهب لألقاء نظرة في الجوار
ذهب هالوران خلف الحجر وبعيدا عن انظار الحارس الألكتروني كان قلبه يخفق بشدة ، وشعر بدمائه ثقيلة في عروقه ، بقع لامعة تراقصت امام عينيه ، وبدأ يعاني من ضربة شمس عنيفة ، فأجبر نفسه على السكون والركود التام ، كان النهار اللانهائي ، مايزال على حاله ،أما الشمس البيضاء فقد تحركت قليلا عن موقعها ، بينما كان {BR-22-0134}واقفا لحراسة الموقع.
لفحت نسمة هواء حارة وجه ماكس المعدني الجامد ، وسرعان ما تحولت الى عاصفة خفيفة . استدار الروبوت دورة كاملة ..ومن بين الصخور على مسافة عشرة امتار ظهر مخلوق كانت عينا ماكسقد اكتشفته حال خروجه ، هل هو هالوران ام انهاحد الغرباء ؟ لم يكترث ماكس به وانما استمر في مراقبة المخيم .
تحرك مخلوق آخر صغير وجرى بطريق متعرجة بالقرب من قدمي ماكس، فانقض عليه احد الطيور الكبيرة التي تحوم على علو منخفضفأفترسه ، تعالت في الفضاء صرخة من المخلوق الصغير وتناثرت بقع من الدم على احدى الخيام ، ثم خفق الطائر بجناحيه محلقا في الجو حاملا فريسته بن مخالبه القوية ، ولم يعر ماكس اهتماما لذلك ، فقد كان منشغلا بمراقبة مخلوق بشري يتقدم نحوه من بين الصخور..توقف المخلوق، فقال له ماكس :
ـنهارك سعيد يا سيد هالوران ، لدي شعور بأن علامات ضعف شديد تبدو واضحة عليك،وهذه الحالة ستؤدي بك الى صدمة عنيفة ، فأغماءة ، ومن ثم الموت..إلا إذا تلافيت هذا الضعف بسرعة.
قال هالوران بصوت مبحوح وجاف :
ـ إخرس..
ـ حسنا يا سيد هالوران
ـ وكف عن مناداتي بالسيد هالوران
ـ لماذا يا سيدي
ـ لأنني لست هالوران انما مجرد رجل غريب
ـ حقاً ؟
ـ نعم ؟ هل تشك بكلماتي ؟
ـ حسنا ، ان عبارتك التي ليس لها اسناد ، هي ..
ـ لا يهم ، سأقدم لك البرهان ، انا لا أعرف كلمة المرور .. هل هذا يكفي ؟
تردد ماكس ، فأستمر هالوران يقول :
ـ اسمع يا هذا ، لقد قال لي السيد هالوران بأن أذكِّرك بحدودك الأساسية والتي هي المعايير التي تؤدي عملك بها ، ان رجل الأرض هو مخلوق عاقل يعرف كلمة المرور ، أما الغريب فهو مخلوق عاقل لا يعرف كلمة المرور.
فقال ماكس مجادلا:
ـ نعم ان كلمة المرور هي مقياس لأكتشاف الغرباء ولكن مع ذلك فأنني اعتقد بأن هناك خطأ ما وأفترض بأنك تكذب.
قال هالوران:
ـ اذن فأنا رجل أرضي يعرف كلمة المرور وفي هذه الحال ليس هناك خطورة ، ولكنك تعرف بأنني لا أكذب لأنك تعلم بأنه لا يوجد رجل أرضي يكذب بشأن كلمة المرور.
قال ماكس:
ـ لا اعرف ان كان بأستطاعتي افتراض ذلك !؟
قال هالوران:
ـ بل يجب عليك افتراض ذلك ، فلا يوجد رجل ارضي يريد ان يبدو على انه غريب ، أليس كذلك ؟
اجاب ماكس:
ـ نعم
ـ اذن فأن الحالة قد تبرهنت
قال ماكس:
ـ ولكنني مازلت غير متأكد.
أدرك هالوران بأن هذا الروبوت يرفض ان يُكره على استلام اية تعليمات من الغرباء حتى ولو كان ذلك الغريب يحاول ان يبرهن على انه غريب.
انتظر هالوران قليلا وبعد حين تكلم ماكس قائلا:
ـ حسنا ، انا اتفق معك على انك من الغرباء ، و وفقا لهذا فأنني ارفض السماح لك بدخول المخيم
ـ وانا لا أريد منك ان تدخلني ، انما المسألة هي انني سجين السيد هالوران وانت تعلم ماذا يعني ذلك
توامضت عينا ماكس الحساستين ، ومضات سريعة ثم قال :
ـ لا اعرف ماذا يعني ذلك
قال هالوران:
ـ هذا يعني انك يجب ان تتبع اوامر السيد هالوران في القبض علي، وأوامره هي انني يجب ان اسجن داخل المخيم وان لا تسمح لي بالخروج إلا بأمره .
صرخ ماكس :
السيد هالوران يعلم بأنني لا استطيع ان اسمح لك بالدخول.
ـ طبعاً ، ولكن هالوران اخبرك بأن تسجنني في المخيم وهذه مسألة مختلفة تماما.
ـ حقا انها كذلك
فقال هالوران بلهفة:
ـ بالتأكيد هي كذلك ! وعليك ان تعلم بأن رجل الأرض يقوم دائما بسجن الغرباء الذين يحاولون اقتحام المخيم
اجاب ماكس:
ـسمعت بضاهرة كهذه وبما انني لا استطيع السماح لك بالدخول ، فسأقوم بحراستك هنا امام المخيم .
وجم هالوران ثم قال :
ـ هذا ليس جيدا تماما.
اجاب الأنسان الآلي :
ـ هذا كل مابوسعي ان أفعله تجاهك .
قال هالوران وهو يتهالك على الرمال الساخنة ليستريح :
ـ آه..حسنا سجينك اذن ؟
ـ نعم
ـ فأعطني شربة ماء .
ـ ليس مسموح لي .
ـ عليك اللعنة .. انت تعلم جيدا بأنه السجناء والأسرى يجب ان يزودون بضرورات الحياة طبقا للمواثيق الدولية واتفاقيةجنيفوالمعاهدات الأخرى
ـ نعم سمعت بذلك وماهي رتبتك العسكرية؟
ـ ضابط ، ورقمي هو 12278031وانا بحاجة الى الماء لأنني سأموت ان لم اشرب.
فكر ماكس لبضعة ثوان ثم قال أخيرا:
ـ سأعطيك الماء .ولكن بعد ان يتناول السيد هالوران كفايته منه.
ـ ولكن هناك كميات كافية لنا نحن الأثنان ، انا و السيد هالوران يا ماكس.
قال هالوران ذلك وقد اضفى على كلماته ابتسامة رجاء .
قال ماكس:
ـ ذلك يحدده السيد هالوران ، وليس انت .
قال هالوران وهو ينهض على قدميه:
ـ حسنا .
فصرخ به ماكس :
ـ انتظر ، قف حيث انت ، الى اين انت ذاهب ؟
ـ انا ذاهب خلف الصخور ، فلقد حان الوقت للصلاة ، والتي يجب ان أؤديها وانا في عزلة.
ـ ولكن ماذا لو هربت ؟
ـ وما فائدة الهرب هنا ؟ فسرعان ما سيعثر علي السيد هالوران ويمسك بي .
غمغم ماكس :
ـ صحيح ، صحيح ، انه لذكي
بعد مدة قصيرة خرج هالوران من بين الصخور ، فقال ماكس :
ـ سيد هالوران ؟
اجاب هالوران بصوت مرح:
ـ نعم ، قل لي يا ماكس هل السجين على ما يرام ؟
ـ نعم وهو يؤدي الصلاة خلف الصخور .
ـ لا بأس يا سيدي ..اسمع يا ماكس عندما يأتي هذه المرة لا تنس ان تعطيه ماءأ .
ـ سأكون مسرورا بذلك ، ولكن بعد ان تشرب كفايتك .
ـيا للجحيم يا ماكس ، انني لا أشعر بالعطش ، أعط الماء لذلك السجين المسكين .
ـ لا استطيع ، فليس قبل ان اشاهدك تشرب كفايتك ، ان حالة الضعف التي انت عليها ،تزداد كثيرا ، فأنت على وشك الأغماء ، وانا أصر ، بل أتوسل اليك ان تشرب .
ـ حسنا ، اعطني قنينة ماء .
ـ ولكن يا سيدي
ـ هه ؟ ماذا بك ؟
ـ انت تعرف بأنه لا يمكنني ان اغادر موقعي هنا.
ـ لماذا بحق الجحيم ؟
ـ ان ذلك منافي للأوامر ، وأيضا ، لأن هنالك احد الغرباء خلف تلك الصخور .
ـ انا سأراقب عوضا عنك يا ماكس والآن .. كن ولدا مطيعا واجلب لي قنينة ماء من الداخل
ـ انه لشيء جيد ان تعرض علي ذلك يا سيد هالوران ولكنني لا اسمح بذلك لأنني روبوت من نوع BR مبرمج لغرض حراسة المخيم ويجب ان لا أحول هذه المهمة لأي شخص آخر ولا حتى لرجل أرضي أو حتى الى BR آخر حتى تعط لي كلمة المرور وأغادر واجبي .
غمغم هالوران :
ـ أية نقطة ابدأ منها فأنني أعود اليها مع هذه الآلة فأنا لا اتعدى الصفر.
جرجر هالوران نفسه بتثاقل نحو الصخور مرة اخرى ، فسأله ماكس :
ـ ما الأمر هل قلت شيئا يزعجك ؟ وعندما لم يأته الجواب صاح :
ـ سيد هالوران ؟؟
ولم يأته جوابا ايضا ، فعاد ينادي مرة أخرى :
ـ سيد هالوران ؟؟ أيها الرجل الغريب؟؟
ولم يكن هناك جواب ايضا ولكن مع ذلك بقي ماكس في نقطته ، لحراسة المخيم .
كان هالوران متعبا ، وبدأ الألم يدب في حنجرته من جراء الجدال العقيم الذي دار بينه وبين ذلك الروبوت الأحمق . شعر بوهن شديد في عضلاته وأحس بأن جسمه ينصهر تحت وطأة حرارة شمسي الكوكب ، فلقد تعدى مرحلة ضربة الشمس وبدأت بشرته تميل الى اللون الأسود وأخذ منه العطش والأرهاق.
يا له من مأزق.. فهو لا يعرف كلمة المرور الى المخيم وهاهو يحتضر تحت أشعة الشمس المزدوجة الساخنة ، ولا يفصل بينه وبين الماء سوى خمسون مترا .. يا لها من نهاية مضحكة وأليمة في نفس الوقت.
أخذ يفكر مع نفسه :
ـماذا تبقى من طرق أو حِـيَـل لم أجربها مع هذه الآلة البغيضة ؟
تقلب على الرمال البيضاء الملتهبة البراقة ، ومرت امامك عينيه بقع سوداء تتحرك في السماء .. هل هو يهذي !؟.. لا .. انها طيور تحوم في السماء..وقد تجاهلت فرائسها المفضلة من قيوطات و جرذان وراحت تحلق فوق مكان التخييم وحيث يضطجع هالوران ، منتظرة بشوق ولهفة لفريسة أخرى ألذ مذاقا .. انها بأنتظار وليمة تتمشى على قدمين .
ارغم هالوران نفسه على الجلوس معتدلا.. فقال مع نفسه :
ـ علي ان اتقصى الموقف وأن اعثر على ثغرة انفذ منها الى عقل هذه الآلة. فمن وجهة نظر ماكس ، ان كل مخلوق يعرف كلمة المرور هو رجل أرضي ، وان كل مخلوق لا يعرف كلمة المرور فهو من الغرباء ، وهذا يعني.. ماذا يعني ؟؟
ولثانٍ إعتقد هالوران بأنه قد توصل الى مفتاح اللغز، ولكن مازال هناك شيء آخر يجب ان يفهمه .. الطيور التي تحوم على ارتفاع منخفض وكذلك القيّوطات..كلها تدخل وتخرج الى المخيم من بين أرجل ماكس دون ان يأبه لها ..
قال هالوران لنفسه :
ـ حقا .!! فلو نظرت الى الأمر من زاوية أخرى فسأجد بأن ماكسغبي وبليد !! لأن تركيبة عقله لا تؤهله لأكتشاف الحيل المحبوكة بمهارة ، إلا في نقاط محددة ، وفي حيز ضيق ،فمعاييره قديمة ، بالضبط كتلك القصة التي تتحدث عن تعريفافلاطون للأنسان وتشبيهه بدجاجة كبيرة منتوفة الريش ولأجل دعم هذا المفهوم قام ديوجين الأثيني الفيلسوف الساخر بنتف دجاجة ، وأضاف لتعريف افلاطونللأنسان على انه دجاجة كبيرة منتوفة الريش ومقلمة الأظافر.فغيّر أفلاطون من تعريفه على هذا الأساس.
هز هالوران رأسه بعصبية ، محاولا اجبار نفسه على التركيز ، ولكن كل ما استطاع ان يراه هو ان انسان أفلاطون ــ دجاجة طولها ستة اقدام منتوفة الريش ومقلمة الأظافرـ
ولكنماكس من ناحية اخرى ليس عليه تغيير تعاريفه كما فعل افلاطون، لأنه ملتصق بتعاريفه الخاصة ، وبتسلسلاتها المنطقية.
ولكن ماذا سيفعل هذا مع ماكس ؟ آه انا واثق بأنني وجدتها ، هتف هالوران مع نفسه.
حاول ان يفكر ولكنه وجد نفسه عاجزا ، عليه ان يجرب ، قد يفشل أو ينجح في النهاية ، ولكن عليه ان يجرب ، فقال متوعدا بصوت منخفض مع نفسه :
ـ ماكس اتتك دجاجة بريش او بلا ريش ، لنر ما ستفعله دوائرك المنطقية وحساباتك الكونية.
لم يكن متأكدا مما كان يعنيه ولكنه كان يعلم بأن عليه ان يستمر.
عاد الكابتنبيتي ومساعدهجيمسالى المخيم في الأيام الأرضية الثلاث ، وفي داخل المخيم وجدوا هالوران ملقى داخل احدى الخيم في حالة اغماء وهذيان شديدين . وبعد ان اجريت له الأسعافات اللازمة أخذ يهذي كيف ان افلاطون حاول ان يبقيه خارج المخيم وكيف ان هالوران قد حول نفسه الى دجاجة طولها ستة اقدام ، وبعد ذلك دخل المخيم على تلك الهيأة فأعطاه ماكس الماء والعلاج اللازم ودثره بكمادات رطبة، وعندما استجوب الرجال ماكسعن الأمر تحدث لهم عن رحلة هالورانوكيف حاول بعض الغرباء الشبيهين به دخول المخيم وكيف تحدثوا له ، وماذا قال له هالوران عن هؤلاء الغرباء. وبالطبع لم تكن تلك الأمور إلا المحاولات اليائسة التي كان يقوم بها هالوران لكي يدخل المخيم.
سألهبيتي :
ـ ولكن ماذا حصل بعد ذلك ؟ كيف استطاع هالوران الدخول الى المخيم ؟
اجاب ماكس ببرود :
ـ انه لم يدخل ياسيدي ، لانه كان في الداخل.
قالبيتي :
ـ ولكن كيف استطاع اجتيازك الى داخل المخيم ؟
ـ لم يفعل ، فهذا محال ، ان السيد هالوران كان داخل المخيم ، ولم يخرج ابدا.
ـ لا أفهم ماذا تعني يا ماكس ؟
ـ اذا كنت لا تفهم يا سيدي ، فلا أحد يستطيع ان يفهمك في هذه الحالة إلا السيد هالوران نفسه ، فهو سيؤكد لك الأمر.
ـ لكنه فاقد للوعي ، وان كان هالوران قد استطاع دخول المخيم ، فأنا ايضا استطيع ذلك ، وغيري يستطيع ذلك !؟
حاولبيتي و جيمس تجربة اجتياز ماكس ولكنهما فشلا في اجتيازه الى داخل المخيم ، ولم يستطيعوا الدخول الى المخيم بدون كلمة المرور كما فعل هالوران.
ولكي يعرفوا كيف دخل هالوران الى المخيم ، بدون كلمة المرور فما عليهم إلا ان يطّلعوا على الجزء الأخير من الأحداث ، ومن وجهة نظر ماكس نفسه.
بدأ ماكس يتحدث لأعطائهم صورة عما حصل حسب ماجاء في تسجيل ذاكرته:
ـ حرارة مرتفعة ، رياح ، طيور ، صخور ، شموس ، رمال ، انا أحمي سور المخيم من الغرباء ، والآن اتجه نحوي شيء ما ، خارجا من بين الصخور ، انه مخلوق كبير الحجم ، له شعر يتدلى على وجهه ويمشي على أربعة ، استوقفته ، فزمجر، استوقفته مرة اخرى بخشونة اكثر مع اتخاذي وضع التأهب للرمي ، هددته ولكنه استمر بالتقدم نحوي وهو يزمجر ، فأصدرت اوامر سريعة الى ذاكرتي لتقوم بتحليل هذه الظاهرة، وانا أعرف بأن البشر والغرباء هم من نفس المرتبة من المخلوقات، فهم يمتازون بالذكاء ويمكن التعرف عليهم من طريقة نقاشهم ، وتصرفهم ، فهم يستجيبون لأستيقافي وتهديدي لهم لذا فأنهم يتوقفون ويجيبون على اسئلتي.. فالبشر يجيبون دائما بالصورة الصحيحة عندما اطالبهم بكلمة المرور ، والغرباء هم أولئك الذين يجيبون دائما بالصورة الخاطئة عندما اطالبهم بكلمة المرور ، ولما كان هذا ثابتا لي ، فأنا افترض بأن المخلوق الذي لا يستجيب لتحذيري فهو ليس قادرا على الأجابة لأنه ليس بشرا ولا من الغرباء ، ولهذا فيمكن اهماله . فالطيور والسحالي يمكن اهمالها ، وهذه البهيمة الكبيرة التي مرت بقربي يمكن اهمالها ايضا ، فلم أعر انتباها الى ذلك المخلوق لكني بقيت مستمرا بالمراقبة بتركيز شديد لأن السيد هالوران في مكان ما في الصحراء وهناك ايضا غريب في الخارج هو الضابط ، ولكن من هذا ؟
نظر ماكسالى هالوران وقد عاد الى داخل المخيم بمعجزة وهو يعاني من الهزال وضربة الشمس ..ان الوحش الذي مر بقربي زاحفا ودخل المخيم ، لا يوجد له أي أثر، أما الضابط فما زال خلف الصخور .. يصلّي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق