الأربعاء، 4 مايو 2016

ذكريات عبرت أفق خيالي - مشهد لا ينسى


ذكريات عبرت أفق خيالي - مذكرات لوقائع حقيقية


مشهد لا ينسى


بقلم: صالح حبيب



بعد توقف المحاولات اليائسة التي تكبد خلالها الجيش العراقي خسائر جسيمة لاستعادة شبه جزيرة الفاو التي احتلتها القوات الايرانية في يوم 9 على 10 شباط 1986 توقفت عمليات معركة الفاو الاولى رسميا في اواخرشهر آذار من العام نفسه.
بدأت قطعاتنا من قوات الحرس الجمهوري والتي كانت تساند قوات الجيش في تلك المعركة الدموية بالانسحاب التدريجي الى قواعدها حول بغداد. ونظرا لضخامة اعدادها وتسليحها كانت قطعات الحرس تنسحب بشكل بطيء وبمراحل ولا تعبر من وسط المدن سواء في المحافظات او العاصمة بغداد الا من الاطراف والشوارع الخارجية الثانوية وقد انسحبت فرقتنا كمرحلة اولية من ام قصر واستقرت لفترة ناهزت الشهر في منطقة صحراوية قاحلة تقع بمحاذاة الشارع الذاهب الى قضاء بدرة وجصان وشارع منطقة تدعى الدبوني وكان يخترقها مبزل صغير يأتي من المزارع المجاورة التي تقع على مسافة 50 كيلومتر تقريبا.
وفي ذلك الجو الصحراوي وشمس ايار الحارة التي لا يحمينا من سعيرها غير قماش الخيمة التي نستظل بها كنا نقضي اغلب النهار ونحن نطبش ونلهوا في مياه البزل الغير صالحة حتى للغسل لقتل الوقت وحر الصيف.
كانت حضيرتي تتكون من اربعة افراد ..انا وصديقي ناظم وفؤاد وصديقنا الراحل ليث رحمه الله.
في ذلك اليوم السادس عشر من رمضان المصادف الخامس والعشرين من آيار 1986 كنا نجلس على الارض حول مائدة الافطار البسيطة ننتظر آذان المغرب ومدفع الافطار لكي نبدأ الاكل معا وليفطر الصائمون.
كان الجو ساكنا لا نسمة فيه صافيا كالكريستال كأي يوم من ايام صيف العراق القائض ولكن لحسن الحظ ان شدة الحر تنخفض عند الغروب وهذا يهون بعض الشئ على ما تلقيناه من حرارة الشمس اثناء النهار.
وقبل ان يطلق مدفع الافطار بدقائق ونحن ساهمون ننتظر بسكون وعيوننا متجهة الى المائدة.
فجأة احسست بضربة كف على كتفي الايمن :
"باوع صالح"
كان ذلك صوت ناظم وهو ينبهني بصوت مليء بالدهشه وبسرعة واصرار على ان لا يفوتني المشهد
رفعت رأسي وكذلك رفع الباقون رؤوسهم من الاطراقة التي كانوا قد دخلوا بها وهم يصغون لصوت قاريء القرآن في الراديو اثناء انتظارهم لمدفع الافطار.
من خلال نبرة ناظم لم يكن هناك وقت لأسأل "شنو؟ شكو؟ " لأن المشهد شد انظار الجميع مباشرة.
التقطت عيناي و عيون الجالسين معي بل عيون كل من كان خارج خيمته في الارض المفتوحة من افراد القطعات الموجودة في المنطقة نفس المهشد في آن واحد
اربعة كرات مضيئة بضوء اصفر باهت يشبه ضوء القمر تطيرعلى ارتفاع حوالي عشرة امتار فوق الشارع العام الذي يبعد ثلاثمائة متر.
كانت الكرة التي في الامام كأنها هي التي تقودهم هي الاكبر ومن على تلك المسافة استطعت ان اقدر حجمهاا بحوالي ثلاثين مترا بينما الثانية التي بعدها كانت اصغر قليلا والثالثة اصغر ايضا من التي قبلها والاخيرة كانت اصغر من الجميع ويقارب قطرها الخمسة امتار اي بحجم باص صغير.
كانت تلك الاجرام الاربعة المجهولة تطير جميعا على خط مستقيم وتفصل بينهما فراغات منتظمة اي انها ليست مرتبطة ببعض انما تحلّق خلف بعض كما يحلق في الجو سرب الطائرات المقاتلة ولكن بدون ان تصدر اي نوع من الاصوات.
كانت تطير بسرعة ثابتة وبسرعة الطائرة النفاثة قادمة من الافق الجنوبي متجهة نحو الشمال وكأنهم هم ايضا ينسحبون من الفاو بعد اصابهم الملل ولكن ليس مة خوض المعارك ولكن مشاهدة معارك خاسرة لا نتيجة فيها.
لقد استغرقت الاجرام المضيئة الاربعة في قطع المسافة من الافق الجنوبي حتى اختفائها في الافق الشمالي في نقطة تلاشي الشارع 15 ثانية كنا خلالها ننظر اليها بدهشة فاغرين افواهنا و وشاخصين بعيوننا نتبعها.
وفي الليل كنت أمرعلى نقاط الحراسة لكوني عريف خفر الكتيبة لتلك الليلة ..التقيت بطريقي بمساعد آمر الكتيبة "الرائد ليث" وهو يقوم بترتيب سريره السفري خارج الخيمة ويتهيأ للنوم..فسألني
"صالح ..شفت هاي الاضوية وقت الغروب؟"
"اي سيدي..شفتها"
"شنو هاي؟"
"آني هم ما اعرف"
فرغم اننا جميعا جنودا وضباط كان اختصاصنا هو سلاح المدفعية و نعرف كل انواع المقذوفات المدفعية والصاروخية الا ان تلك الاجرام المجهولة لم تكن اوصافها تنطبق على ايٍ من انواع القنابل او الصواريخ التي نعرفها او التي سمعنا او قرأنا عنها عندنا اوعند روسيا او امريكا.
في الحقيقة انها لم تبدُ لي انها على انها من هذه الأرض.
بعد يومين من تلك المشاهدة ..وصلتنا الصحف اليومية التي تاتي للكتيبة يوميا وجاء فؤاد الي وبيده نسخة من جريدة الجمهورية
" صالح ..اقرا"
كان هناك خبر صغير:
"الوكالات- شاهد مجموعة من الشباب المخيمين في احدى مناطق الغابات الايطالية قبل يومين اربعة اجرام طائرة مجهولة على شكل كرات ضوئية مختلفة الاحجام ذات لون اصفر تحوم فوق مكان تخييمهم لدقائق ثم ابتعدت كما شوهدت نفس الاجرام وفي نفس اليوم من قبل دوريتين للبوليس الفرنسي في احدى ضواحي المدن الفرنسية"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق