Starting From Scratch
By: Robert Sheckley
تبدأ من حكة
قصة : روبرت شيكلي
Translated by: Salih Habeeb
ترجمة : صالح حبيب
حلمت الليلة الماضية حلما غريبا ، اذ ان شخصا لم استطع ان اتبين معالم واضحة على هيأته قد تحدث معي بموضوع غريب. فلقد قاطع هذا الشخص احداث الحلم وراح يتحدث الي قائلا:
ــ عذرا ، ان كنت قد قاطعت حلمك.. ولكن هناك مشكلة ملحّـة وليس هناك احد يمكن ان يحلها غيرك.
وأذكر بأنني اجبته:
ــ لا داعي للأعتذار فلم يكن حلمي جيدا على اية حال ، اخبرني الآن كيف يمكنني مساعدتك؟
ــ انت فقط تستطيع ان تمد يد العون وإلا هلكت انا وشعبي.
ــ يا إلهي !
اخبرني محدثي بأن اسمه فروكا وهو احد افراد جنس قديم جدا تمتد عروقه الى اعماق بعيدة في التأريخ ، عاش في واد عظيم محاط بسلسلة جبلية عملاقة، وكانوا شعبا مسالما ظهر عبر تأريخهم الطويل عباقرة وفنانون رائعين.
اما قوانينهم فكانت قوانين نموذجية ومثالية، وهم ينشؤون اطفالهم على حب الخير والتعاون، كما وانهم جنس ذو مشاعر مرهفة وهم ـــ..فقاطعته وهو يقوم بسرد تأريخ حضارة شعبه:
ــ ايمكن ان تدخل في صلب الموضوع ؟
ــ آسف لأسهابي في الشرح ولكن من الضروري ان اطلعك على هذه المقدمة.
ــ حسنا ، أرجو ان تدخل في صلب الموضوع.
أخذ فروكا نفسا عميقا ، بعدها ، روى لي بأنه منذ مائة عام(بمقاييسهم الزمنية) نزل من السماء شئ مخيف .. جسم يشبه رمحا عظيما لونه اصفر مائل الى الحمرة ، وغرس قرب نصب " الإله المجهول " امام دار البلدية للمدينة ، في ثالث اكبر مدنهم.
لم يكن الرمح اسطوانيا تاما ، انما قريب الى ذلك ، قطره يقارب الكيلومترين. لقد كانت حادثة ضربته لمدينتهم حادثة مروعة. كانت مقدمته تنغرس في الأرض في حين كانت نهايته الأخرى تمتد عاليا في السماء الى اللانهاية ، بل وأبعد من ذلك وحتى ابعد من مدى احدث اجهزة الرصد السماوي لديهم ، مما شكَّل تحديا كبيرا لهم ولقوانينهم الطبيعية.
وبعد الدراسة والبحث وجدوا بأن هذا الجسم الغريب منيع وغير نفاذ لأي شئ ، الحرارة ، البرودة ، البكتريا ، المدافع البروتونية ، أو أي شئ ، فكروا به ، مكث الرمح في موقعه بلا حراك لخمسة شهور وتسعة عشر ساعة وست دقائق ، ظل خلالها مثيرا للرعب والهلع في كل عالمهم، ولكن بعد ذلك وبلا سبب تحرك بأتجاه شمال الشمال الغربي وبسرعة متوسطة بلغت 881ر78كيلومترا بالساعة (حسب قياساتهم للسرعة ) مسببا حفرة طولها 223ر183كيلومترا و عرضها 011ر2كيلومترا ثم اختفى.
* * *
لم يتوصل الأجتماع الذي عقده علمائهم الى تفسير منطقي للظاهرة الفريدة ، ولكنهم اعلنوا اخيرا بأنه حدث نادر الوقوع جدا في هذا العالم.
وبعد شهر واحد اهتز العالم ودب الرعب من جديد فقد عاود هذا الجسم الغامض الظهور،وكان هدفه هذه المرة هو العاصمة ، تحرك مسافة 331ر820كيلومترا وسلك سلوكا عشوائيا مبهما. ولم يعرف احد وقتها حجم الخسائر التي سببها ، ولكن تبين فيما بعد بأن سبعة آلاف فرد من جنسهم قد فقدوا.
لم يمر اكثر من شهرين على تلك الحادثة حتى نزل مرة اخرى ودمر اكبر ثلاث مدن من مدنهم ، فأهتزت مشاعر كل فرد منهم خوفا من هذه الأحداث المروعة ، ليس خوفا على حياته هو وانما على حضارته كلها من ان تبيد . وقد اعلن علماؤهم بأن المدنية اصبحت مهددة بالأنهيار من قبل شئ مجهول او ظاهرة لايمكن تفسيرها.هذه المعلومات ادت الى تفشي الفزع واليأس بين السكان وبدأت تداهمهم نوبات من الهستيريا واللامبالاة.
وحصل الهجوم الرابع .. وكان في الأرض الغربية ، متجها الى شرق العاصمة ، لم تكن الخسائر كبيرة هذه المرة ولكن ذلك لم يمنع من انتشار حالة من الرعب الشديد في عالمهم نتج عنها عدد مخيف من حالات الأنتحار الجماعي. اصبحت الحالة بائسة ، فأخذت العلوم الزائفة والدجل يدخلان ميدان الصراع جنبا الى جنب مع العلم الحقيقي..لم يتقدم عون إلا ويتبدد امام الكارثة ، ولم توضع نظرية إلا وتدحض سواء وضعها البايوكيميائيون او الفلكيون..ــ فقاطعته مرة أخرى :
ــ استميحك عذرا ، فأنا آسف لما حصل لعالمكم ولكن هلا أخبرتني بما في وسعي ان اعمل لكم امام هذه الكوارث ؟
ــ نعم ، فأنا مقبل على اجابتك حالا !
ــ استمر اذن ، وانصحك بالأسراع لأنني بدأت أستيقظ.
استمر فروكا الحديث قائلا :
ــ من العسير ان أوضح أمرا كهذا يا سيدي ، ولكنني سأحاول ان أجلي حقيقة الأمر لك ، فأنا هاوي للعديد من الهوايات والتقنيات الحديثة وكما تعلم ان هوايات كهذه تعمل على توسيع المدارك الذهنية للمرء ، ومؤخرا قمت بأجراء تجربة كيمياوية على احد المركبات الكيميائية ندعوه " كولا " وهو مركّب يؤدي استعماله الى حالات من التأمل المتعمق للذهن .
ــ لدينا نحن ايضا شئ شبيه بذلك ؟
ــ اذن فقد فهمتني ، حسنا ، كنت اقوم بأحدى الرحلات وانا تحت تأثير تلك المادة حصلت على معلومات معينة ، من الصعوبة التعبير عنها.
فقلت له بنفاد صبر:
ـ ادخل في صلب الموضوع.
ـ حسنا ، توصلت الى ان العالم خلق على عدة مستويات ، جزيئي..ذري..جسيمي..مستويات اهتزازية..ومستويات اخرى لانهائية. وان كل مستوى هو جزء من الآخر وهكذا تتدرج هذه المستويات في وجودها .
ــ اعرف هذا ، فقد اكتشفت انا أيضا نفس الأشياء عن عالمي .
استمر فروكا قائلا:
ــ شعوري الخاص هو ان عالمنا هذا يتطفل على أحد هذه المستويات وبالتحديد على المستوى الخلوي.
فقلت:
ــ غريب ، ألم يكن بمقدورك ان تتبع تأريخ هذا التطفل؟
قال الصوت:
ــاعتقد انني استطعت ، ولكنني لا أمتلك دليلا على ذلك ، فكل ذلك هو مجرد تخمين أو حدس.
قلت له:
ــ انا نفسي اؤمن بالحدسية ، اخبرني الآن ماذا اكتشفت ؟
قال صاحب الصوت بعد تردد:
ــ حسنا ، لقد توصلت بإدراكي ــ حدسا بالطبع ــ بأن العالم الذي انتمي اليه انما هو بالنسبة لكم ما تدعونه بالطفيليات المجهرية ، ويقع على بقعة من بقاع جسمك.
قلت:
ــ كن أكثر وضوحا.
قال:
ــ حسنا ، لقد اكتشفت ، انه بشكل ما وفي مكان ما من هذا الوجود ، خلق عالمنا في بقعة تقع على معصم يدك اليسرى ، منذ ملايين السنين ــ من سنيننا طبعا ــ ، وانا لا أستطيع اثبات ذلك بالطبع . وبالتأكيد انا لا أستطيع أيضا ان أتهمك يا سيدي.
ــ لا بأس ، انت تقول بأن عالمكم يقع على معصم يدي اليسرى ، وما الذي استطيع ان افعله انا في هذه الحالة ؟
ــ حسب نظريتي ، انك بدأت تحك البقعة التي في معصمك والتي يقع عليها عالمنا !
ــ أحك !؟
ــ أعتقد ذلك.
ــ وانت تعتقد بأن ذلك الرمح العظيم ذو اللون الأصفر المحمر انما هو..
ــ اصبعك يا سيدي.
ــأصبعي !؟
ــ على الأكثر.
ــ أفهم من ذلك انك تريد مني الكف عن حك هذه المنطقة.
ــ فقط في تلك البقعة ، رغم انه طلب مربك ، ولكنني ألتمس منك ذلك أملا في انقاذ عالمنا من الفناء ، وأنا اعتذر .
ــ لا داعي للأعتذار ، فالمخلوقات التي تشعر وتحس يجب ان لا تخجل من المطالبة بحقوقها.
ــ هذا عطف منك ، فنحن لسنا بشرا كما تعلم ، انما طفيليات ليس لها حق المطالبة بشئ.
ــ ما دمتم تمتلكون الحس و التفكير فالكائنات الحية في هذا العالم لها حق بعضها على بعض ، أعدك بأن لا أحك المنطقة التي في معصمي الأيسر بعد اللحظة.
فقال مذكرا:
ــ معصم اليد اليسرى.
ــ أطمئن ، فهذا وعد.
ــ سيدي ، لقد أنقذت عالمي ونحن ندين لك بالعرفان.
ذهب الصوت ثم استيقظت .
حالما تذكرت حلمي ، نهضت وقد أخذت الأمر بجدية ، ووضعت حول معصمي الأيسر غطاءأ جلديا وأهملت كل حكة في تلك المنطقة ، وحتى انني عملت على عدم غسل يدي اليسرى ، وبقيت على هذه الحال اسبوعا كاملا.
وفي النهاية انتزعت الغطاء الجلدي ، وأعتقد بانني قد منحتهم ما يكفي من الوقت كي يعيشوا بسلام، وطبقا لأحساسهم بالزمن والذي يختلف عن احساسنا به، فيفترض بأن الزمن الذي مر عليهم الآن خلال فترة وجود الغطاء الجلدي على معصمي لا يقل عن ثلاثين بليون عام من اعوامهم، ويفترض ان فترة كهذه كفيلة بالسماح لأي جنس بالظهور والتطور والأنقراض.
ولكن ليست تلك هي المشكلة ، انما مشكلتي الحقيقية هي انني ابتدأت مؤخرا بالشعور بالقلق أنا أيضا فيما يتعلق بالزلازل والكوارث التي تجتاح العالم وانا متخوف على عالمي من ذلك .. لذا فأنا أقول:
" ــ عذرا ، ان كنت قد قاطعت حلمك.. ولكن هناك مشكلة ملحّة وليس هناك احد يمكن ان يحلها غيرك...!! "
تموز 1978
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق