الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

رحلة في ذاكرة بغدادية - الحلقة - 3

رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979


الحلقة -3

صالح حبيب






الثقافة و الآداب في عراق السبعينات

جيلنا نحن الخمسينيون و الذين عاصرنا اجمل فترة في شبابنا في السبعينات كبر ونما مع ابطال خياليين الهبوا خيال طفولتنا و وسعوا مداركنا. انهم ابطال دار المطبوعات المصورة والتي هي ترجمة وطباعة لبنانية جميلة متقنة لدار الـ "دي سي كومك" الامريكية وابطالها هم سوبرمان والرجل الوطواط "باتمان" وصديقه زكور "روبن" والفتاة الجبارة "سوبر گيرل" وفرقة الابطال الجبابرة "جستس ليغ ليجيونير" والبرق "فلاش" والرجل المطاط وابطال الغرب الاميريكي بونانزا وكذلك طرزان سيد الادغال والمجلة الرائعة بساط الريح وهي من اجمل المجلات التي كنا نعشقها ومجلة تان تان وللاكبر سنا كانت مجلة المغامر المنوعة وللاطفال الاصغر سنا كان هناك مجلة لولو وكانت هناك ايضا المطبوعات المصرية مثل مجلة سمير و ميكي ..لم يكن هناك ممنوعات في سوق الكتاب العراقي في الستينات زمن طفولتنا و حتى بداية السبعينات قبل ان يلتفت النظام الى خطورة المطبوعات عليه وعلى سيطرته على سدة الحكم و تأثيره العميق في تنمية الفكر الحر ورغم كل ذلك فلقد كانت المطبوعات تنزل في المكتبات واكشاك بيع الصحف و المجلات من كل الدول العربية والعالمية منوعة ما بين علمية و طبية وثقافية و فنية وأدبية اذكر منها

مجلة دنيا العلم ذات الطباعة الانيقة والحرف الانيق و الحديث مجلة طبيبك و مجلة طبيب العائلة و مجلة المعرفة المترجمة عن اشهر مجلة معرفية في العالم دار تراكسديم للنشر- استراليا و مجلة العربي الكويتية الرائعة الرصينة ومجلات فنية مثل مجلة الشبكة و الموعد اللبنانيات و مجلات سياسية مثل روز اليوسف اللبنانية وآخر ساعة المصرية
أما المجلات الاجنبية فكنت تجد مجلة ناشونال جيوكرافك العلمية الامريكية، شووت الرياضية البريطانية و مجلة تايم الامريكية و نيوز ويك والمجلة البريطانية پنك او "وردي" للفتيات
كل تلك المجلات كانت تنزل في المكتبات بمواعيدها المنتظمة.
ماذا عن المطبوع العراقي ؟

المثقفون في السبعينات كانوا يتحاورن بالمواضيع الثقافية والأدبية والعلمية التي تنشر في المجلات والصحف ويترقبون آخر الإصدارات من الكتب و المجلات الأدبية و الثقافية لدور النشر العراقية مثل مجلة آفاق أدبية، الأقلام ، الفكر الجديد ، الآداب الأجنبية ، الثقافة الأجنبية ، الطليعة الأدبية ، مجلة ألف باء و مجلة الشباب و مجلات الأطفال مجلتي و المزمار و المسيرة ، و مجلة العلم و الحياة و الدوريات العربية الأخرى و كان الشباب العراقي لا يتحاورون فقط بمواضيع تلك الصحف والمجلات بل و بسيرة كتّابها ومتابعة إصداراتهم فقد كانت حركة النشر و الطباعة و المطالعة وسوق الكتاب في ذلك الوقت نشطة بشكل كبير فظهرت المقولة التي اشتهرت على المستوى العربي في تلك السنوات الذهبية للفرد العراقي " مصر تكتب و بيروت تطبع و بغداد تقرأ " أما الصحف المحلية فلم يكن عددها كبيرا لأن الدولة لم تكن تسمح بمنح حقوق امتياز لكل من يطلب أصدار صحيفة يومية بتلك السهولة إلا ضمن شروط مشددة و رقابة حكومية فقد كانت هناك عدة صحف ناطقة بأسم الحزب الحاكم و الدولة أبرزها جريدة الثورة و كانت هي جريدة حزب البعث الحاكم وجريدة الجمهورية وهي الجريدة الرسمية للدولة وجريدة الحزب الشيوعي العراقي طريق الشعب التي أوقفت عن الصدور بعد حل الجبهة الوطنية التي عملها الحزب الحاكم مع الحزب الشيوعي العراقي لمقتضيات و ضرورات تكتيكية لفترة معينة ومجلتهم الثقافية الفكر الجديد و جريدة التآخي الكردية التي كانت تصدر تحت رقابة الدولة ومن الدولة نفسها وكانت تصدر باللغة العربية وفيها ملحق باللغة الكردية ( وكان يفترض العكس أي أن تصدر بالكردية ولها ملحق عربي ) ومن الصحف المستقلة التي لم تكن تنتمي لحزب معين أو جهة معينة كانت جريدة الراصد التي تعتبر من أكثر الصحف قراءة لدى الشباب العراقي بكافة مستوياته و شرائحه لأنها كانت مسلية و تنشر قضايا عالمية و مترجمة و طريفة و منوعة وكانت تعتبر متنفس لهم وسط الجو المشحون بالشعارات الحزبية و السلطوية.

لقد اهتم العراقيون في تلك المرحلة و مرحلة الستينات والخمسينات بأسماء عديدة لم تكن حديثة على الساحة الثقافية في الحقيقة بل بدأت أسماؤهم تلمع في تلك الفترة كتابا و شعراء لمعت أسماؤهم في سماء الثقافة والأدب العربي و العالمي مثل عبد الوهاب البياتي و مظفر النواب و حسين مردان و عبد الخالق الركابي و سعدي يوسف و عبد الرزاق عبد الواحد و غيرهم ناهيك عن الأعلام العظام الذين كانت أسماؤهم تعتبر لازمة يجب ذكرها كلما ذكر الشعر والأدب و الثقافة و العلوم في كل الأوقات منذ مطلع القرن الماضي حتى القرن الحادي و العشرين وعلى رأسهم شاعر العرب محمد مهدي الجواهري وعالم اللغة العربية العلامة مصطفى جواد و عالم النحو الأب إنستاس ماري الكرملي والشاعر و اللغوي الكبير محمد بهجت الأثري و احمد الصافي النجفي و عالم الاجتماع الفذ علي الوردي والعالم الديني المجتهد السيد محمد باقر الصدر وشيخ المؤرخين عبد الرزاق الحسني والمؤرخون طه باقر و حسين أمين و سالم الآلوسي وغيرهم كثير.

للذكرى:
" في عام 1976 كنت طالبا في الخامس العلمي لاعدادية الرسالة المسائية في بغداد- الحيدرخانة..وكعادتي وتعلقي بالمجلات والمطبوعات في احدى الايام كنت القي نظرة على الاصدارات الجديدة للمجلات عند باعة الصحف فشاهدت في نيسان 1976 مجلة شهرية ذات اخراج طباعي جميل..اسمها "مجلة الشباب" تصفحتها فوجدت فيها مواضيع متنوعة وبصفحات ملونة جميلة ومتقنة..في العلوم والفلك و الفضاء والتكنلوجية والبايولوجي والتأريخ والرياضة والفن والادب والتسلية ..وعندما قرأت قليلا من موضوع فلكي منشور فيها وجدت ان الكاتب كان على درجة ممتازة في قدرته على التعبير عن المصطلحات العلمية بدون اخطاء علمية من تلك التي تظهر في مواضيع غير المختصين بالكتابة العلمية في الصحف العراقية والعربية ..اعجبت بها وباخراجها..واشترتها وكتبت رسالة اعجاب لهيئة التحرير وعرضت عليهم ان ارسل لهم بعض المواضيع عن الفلك والفضاء باعتباري هاوي فلك ولدي اشتراكات بمجلات امريكية علمية وفلكية وتقاويم فلكية للاحداث الفلكية على مدار العام ..بعد ايام وصل الى مدرستي شخصين وبيدهم رسالتي وقالوا لقد بحثنا عنك كثيرا حتى توصلنا اليك :
هل انت صالح حبيب؟ قلت نعم ..




تفضل معنا ..الحقيقة انني ارتعبت في البداية معتقدا انهم من الامن العامة صعدت معهم في سيارة بيك اب ..ولكنني كنت متأكدا انني لم اكتب شيئا في رسالتي يستدعي تدخل رجال الامن ..وقد طمأنوني بدورهم بعد أن عرفوني بانفسهم بأنهم صحفيون من مجلة الشباب عندها اطمأننت وادركت الموضوع…فأقتادوني بكل لطف ولياقة الى مقر المجلة في الوزيرية..وكانت هذه بداية رحلتي مع الصحافة."
وللحديث بقية..
نشر الاصل في الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 09:11 
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق