الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

رحلة في ذاكرة بغدادية -الحلقة -4



رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979

الحلقة - الرابعة

اسماء واسماء وأسماء من الذاكرة الثقافية


صالح حبيب 


في مجال الفنون كان الفن التشكيلي والفنانون التشكيليون العراقيون يشكلون ظاهرة فريدة في العراق والعالم فلم اجد من كان يضاهي العراقيين من العرب في هذا المضمار فقد كانت المعارض الفنية المنتشرة في بغداد محجوزة لعرض أعمال الفنانين لشهور قادمة مثل قاعة الرواق في شارع السعدون وقاعة وداد الأورفلي في المنصور. فرغم كثرة عدد صالات العرض كانت هناك تظاهرة فنية جميلة أخرى تُحيا سنويا مثل معرض الحزب السنوي وفيه يعرض الفنانون العراقيون أعمالهم سنويا ويحصدوا من خلالها الجوائز و الشهرة وكانت تقام في متحف الفن الحديث في ساحة الطيران - قاعة كولبنكيان وكانت التظاهرات الفنية الكبيرة تقام على قاعاته قبل افتتاح مركز صدام للفنون.

من اشهر الفنانيين التشكيليين في تلك الحقبة فائق حسن و ليلى العطار وكاظم حيدر وحافظ الدروبي ونوري الراوي وراكان دبدوب وشاكر حسن آل سعيد ونزيهة سليم وفيصل لعيبي وعطا الله صبري وصلاح ݘياد ووداد الاورفلي والنحاتين اسماعيل فتاح الترك و خالد الرحال ومحمد غني حكمت
ومن اشهر من رسم للاطفال في السبعينات فيصل لعيبي وصلاح جياد ومؤيد نعمة وضياء الحجار وطالب مكي ورضا حسن ومنصور البكري وعلي المندلاوي وعبد الرحيم ياسر وطلال سعيد وفاضل طعمة وحنان شفيق ومحي خليفة وقاسم ولي وعلي رضا

بتهوفن
ولابد من وقفة للتحدث عن الفرقة السيمفونية الوطنية التي كانت تعد واحدة من اشهر و ارقى فرق الموسيقى الكلاسيكية في الوطن العربي فقد كانت تحيي حفلات شهرية على قاعات بغداد الشهيرة مثل قاعة الشعب و قاعة الخلد المقابلة للقصر الجمهوري وفي نفس الشارع عندما كان باص مصلحة نقل الركاب العامة رقم 15 كرادة مريم يمر من هناك دون أن يمنعه أحد أو يحول خط سيره لدواعي أمنية خوفا على حياة الرئيس. وقد كنت احضر حفلات الفرقة في ذلك الوقت وقد حضرت في احدى تلك المرات حفلا قامت بإحيائه الفرقة وعزفت فيه سوناتات لموزارت و هايدن ثم ختمت ( وهو ما جعلني أتعنى لحضور تلك الحفلة بالذات وانتظرتها طويلا ) بالسيمفونية الخامسة لبيتهوفن و الشهيرة باسم "القدر".

صحافة الأطفال و الشباب
وكذلك من المؤسسات التي تعتبر منارات مضيئة في زمن العراق الذهبي القديم كانت مدرسة الموسيقى والباليه و مكتبة الطفل ودار ثقافة الأطفال التي كانت بوابة جميلة ملونة متنوعة للأطفال تمدهم بالعلوم و القصص و المغامرات و العوالم الطفولية الشفافة و الشخصيات الجميلة عبر مجلة مجلتي و المزمار وملحق علم وتكنولوجيا والكتب الملونة و المعارض الفنية و مهرجانات الطفولة وكانت صديقة لكل اطفال العراق و انا متأكد من أن قصصها و أبطالها مازال يتذكرها كل من يقرأ هذه السطور الآن، وكان يقودها نخبة من الكتّاب والشعراء والادباء والفنانين الرائعين الذين يضاهون اشهر فناني وكتّاب العالم، وكان نتاج هذه الدار غزيرا وفريدا من نوعه في الوطن العربي بطابعه العربي و العراقي الخاص والطفولي الحالم.

كتب للاطفال في دار ثقافة الاطفال في تلك الفترة كم هائل من ادباء وكتاب و مثقفي العراق بعضهم شعراء كبار على رأسهم الشاعر شفيق الكمالي والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والشاعر فاروق سلوم وقد قادوا الدار ليس ككتاب فقط بل كمدراء عامين قادوا نشاطاتها الى النجاح. ومن كتاب الاطفال الذين قدموا عطاءا ثرا لعالم الطفولة شفيق مهدي وجعفر صادق ومالك المطلبي وعبد الرزاق المطلبي ورياض السالم وعبد الاله رؤوف ويمكن القول عن تلك النخبة انهم رواد ومؤسسي دار ثقافة الاطفال اضافة للكتاب والمبدعين الذين ارتقوا بأدب الاطفال الى مكانة رائعة وهم صلاح محمد علي وميسلون هادي و فاروق يوسف وجواد الحطاب ومنى سعيد و عشرات غيرهم لا تحضرني اسماؤهم ولا يتسع المجال لذكرهم في هذه المساحة وكنت من أحد المشاركين في كتابة قصة و سيناريو الخيال العلمي والصفحات العلمية في جريدة المزمار وملحق العلم والتكنلوجيا وكنت اذيل كتاباتي بأسمي الكامل "صالح مهدي حبيب" منذ 1976
مجلة الشباب وجريدة المسيرة ومطبوعات دار صحافة الشباب كانت تساهم في البناء الفكري للفتى و الشاب اليافع في تلك المرحلة بإمداده بالعلوم و الآداب و المعلومات 
وكان يعمل في تلك الدار ايضا كتاب وفنانون كثيرون لا يتسع المجال لذكر اسمائهم هنا طبعا لاسباب قد تكون حساسة لكون الدار كانت من ضمن مؤسسات الحزب الحاكم الثقافية رغم انها دار ثقافية همها الاول ولكن ليس الاخير هو الفن والعلم والادب. 
ولكن كان جزء من تلك المنشورات موجه من قبل النظام لبناء الروح المعنوية للفتى والشاب في سبيل دفعه وتوجيهه لخدمة النهج الذي كان ينهجه النظام آنذك وهو بناء إنسان ذو مهارات وأفكار عسكرية وتكتيكية في اطار فكر الحزب الحاكم كالأفكار القومية والاشتراكية والوحدة العربية وغيرها من الأحلام التي كانت ومازالت احلاما مستحيلة وفي مرحلة لاحقة تقولبت لخدمة فكر الحاكم الاوحد للبلاد فقط. فبدلا من أن يحلم الطفل بالزهور والألوان والطبيعة والطموح الخلاق صار يتغذى على الروح العسكرية و الحربية ورائحة البارود وكيفية حمل البندقية والقتال والتفجير.
وكانت النتيجة الطبيعية هي الحال الذي وصلنا اليه الآن.

للذكرى
"حدثني صديق من العاملين في دار ثقافة الاطفال انه بعد سقوط بغداد مباشرة وبعد ان بدأ العاملون والموظفون المدنيون يعودون لأعمالهم و دوائرهم كان العاملون في تلك الدار قد بدأوا ايضا بالعودة الى عملهم لكي يعيدوا افتتاح دار ثقافة الاطفال بما يحتفظون به من المتيسر في الارشيف المتبقي لديهم بعد ان تعرضت بغداد للدمار والحرق والسرقة.
فبعد ان كان آخر موقع للدار هو جزء من الطابق الثالث من مبنى وزارة الاعلام العراقية التي دمرتها الغارات الامريكية على بغداد تم تخصيص مبنى قديم وهو مكتبة الطفل في المنصور مقابل متنزه الزوراء والمجاورة لمدرسة الموسيقى والباليه.
كان الموظفون قد بدأوا توا يتواجدون في الموقع الجديد اياما معينة من الاسبوع في باديء الامر في قاعة المكتبة، وفي يوم من تلك الايام دخل الى الدار شاب يرتدي زيا دينيا يصطنع الوقار و الحكمة يرافقه ثلة من المسلحين الذين يأتمرون بأمره..فأمر ان تخرج جميع الكتب التي في المكتب "كتب الاطفال" وان تكدس على ارض الحديقة الخارجية للبناية فأخرجت وسكب عليها خزان من البنزين فاشعلوا فيها النيران التي راحت تلتهمها أمام انظار كتابها ورساميها ومن الذين ظلوا ينظرون الى جهودهم عبر وهي تحترق دون ان يستطيعوا ان ينبسوا ببنت شفة خوفا على حياتهم غيرعبارة سريعة :  ليش مولاي؟ فأجاب المعمم الشاب الذي لم يتجاوز منتصف العشريناتوبكل برود وزهو وهو يعبث بمحابسه الفضية :- "هاي الكتب تحمل افكار العهد البائد!!!" 
وللحديث بقية..
نشر الاصل في الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 09:11 
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق