رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979
الحلقة - 2
صالح حبيب
نشر الاصل في الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 09:11المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات" قد لا تكون هذه هي وجهة نظر الآخرين ولكنها وجهة نظري الخاصة "ظاهرة عدنان القيسي- مفارقة ممتعة في حياة العراقيين
ظهرت منذ بداية عقد السبعينات ظواهر كثيرة في حياة العراقيين معظمها كان عبارة عن سيناريوهات موضوعة من قبل السلطة الحاكمة آنذاك منها ما اثرت سلبيا و منها ما أثرت ايجابيا و منها ما بقيت آثارها لفترة طويلة و منها ما نسيت و ولت بنفس السرعة التي ظهرت بها منها الأليمة كظاهرة السفاح ابو طبر التي لا تستحق الحديث عنها كثيرا و منها ما شكل للعراقين ذكرى طريفة بحيث انها سجلت في تراثهم و احاديثهم و امثالهم الشعبية مثل ظاهرة عدنان القيسي.من هو عدنان القيسي؟ وكيف أثر في حياة العراقيين؟
ظهرت منذ بداية عقد السبعينات ظواهر كثيرة في حياة العراقيين معظمها كان عبارة عن سيناريوهات موضوعة من قبل السلطة الحاكمة آنذاك منها ما اثرت سلبيا و منها ما أثرت ايجابيا و منها ما بقيت آثارها لفترة طويلة و منها ما نسيت و ولت بنفس السرعة التي ظهرت بها منها الأليمة كظاهرة السفاح ابو طبر التي لا تستحق الحديث عنها كثيرا و منها ما شكل للعراقين ذكرى طريفة بحيث انها سجلت في تراثهم و احاديثهم و امثالهم الشعبية مثل ظاهرة عدنان القيسي.من هو عدنان القيسي؟ وكيف أثر في حياة العراقيين؟
عدنان القيسي ذلك المصارع البطل الذي اذهل العراقيين بقوته وبضربته الفنية المشهورة بـ"العِكسية" (الضرب باستخدام كوع اليد) الكبار منهم قبل الصغار والمسؤولين قبل المرؤوسين بتمثيلياته في مباريات المصارعة الحرة غير المقيدة كما كانت تدعى آنذاك و المبنية على أداء الحركات المفتعلة والمتفق عليها مسبقا ونتائجها المحسومة مقدما.
فقد نجح عدنان القيسي العراقي الاصل-الامريكي من محلة الاعظمية العريقة وعلى مدى حوالي عاما كاملا أو أكثر في تمرير هذا النوع من الرياضة التجارية غير الأولمبية والتي هدفها كان معروفا في أمريكا والعالم وهو جني الأرباح من الناس الذين يريدون تمضية بعض الوقت للتسلية مع علمهم المسبق بطبيعتها وانها مجرد تمثيل ولكن بعنف مدروس.
ولكن للاسف صدقها العراقيون واتخذوها مجالا للفخر ببطولات ابنهم الضال الذي عاد ليرفع رؤوسهم أمام العرب والعالم. وطبعا لم يصدقهم أو يتفاعل معهم احد من العرب أو العالم لان العالم كله كان يعرف طبيعة هذه المباريات ما عدا العراقيين، ولكن من العراقيين الذين كانوا يدركون حقيقة الأمر ويعرفون بهذه الخدعة هو شيخ المعلقين والشخصية المحبوبة عند كل العراقيين الاستاذ مؤيد البدري عميد الرياضة العراقية الذي حاول أن يشرح للجمهور الحقيقة عبر برنامجه الرياضة في اسبوع ولكن للأسف لم يصغ إليه احد بسبب انجرافهم القوي نحو القيسي وحركاته البهلوانية وتعليقاته التي كان يعرف كيف يستغل بها العواطف العراقية وبسبب أيمانهم بهذه البطولات المزيفة كاد هذا الرجل مؤيد البدري أن يُنبذ من قبل جمهور برنامجه "الرياضة في أسبوع" ويقاطع رغم مكانته الاجتماعية و الإعلامية والرياضية ورغم الحب الذي يكنه له العراقيون ولبرنامجه الرياضي.وهكذا استطاع عدنان القيسي أن يسلب لب الجمهور العراقي و يصبح هو الشغل الشاغل الوحيد لأي عراقي من الشمال إلى الجنوب حتى كان من الصعوبة أن تعثر على شخصين أو اكثر يتحدثون سوية في موضوع إلا وكان ذلك الموضوع هو موضوع مباراة عدنان القيس التي حدثت قبل يوم أو خلال الأسبوع الماضي و تراهم يمجدون بهذا البطل العراقي الذي هاجر من منطقة السفينة بالأعظمية و اغترب في ديترويت -ولاية مشيغن الامريكية، ثم جاء إلى العراق ليعيد أمجاد الأجداد كبطل مغوار و ليتغلب على اعتى أبطال أوربا و أمريكا في المصارعة الحرة التي تعرضها حاليا القنوات الفضائية وتشتهر عروضها اليوم باسم WW أو World wrestling وفيها تجد نفس الأسلوب الذي كان القيسي يبهر به العراقيين و كانوا بالطبع يصدقون ظاهرة بطولاته الفذة و يصلّون له و يتضرعون قبل كل مباراة في المراقد و الجوامع و الصلوات، من اجل أن ينصره الله على خصمه القادم ليرفع رأس العراق عاليا ثم ينحرون الذبائح و يوزعون الشرابت و الجكليت بعد نصره المؤكد على الخصم، كان العراقيون من البساطة بحيث أنهم لم يكونوا يعلمون بان نتائج هذا النوع من المباريات محسومة مقدما و نسب أرباحها محسوبة و الحصص قد تم توزيعها قبل ايام من المباراة.اتذكر في منطقتي آنذاك "منطقة الفضل" كان الناس يرقصون على انغام الموسيقى الشعبية "المزيقة" ويوزعون الحلويات والشربت في كل مكان و كانت صوره ملصوقة على الجدران في كل مكان..هذا الاعجاب العميق بهذا البطل الاكذوبة..حرك الضغينة والحسد في قلب الرجل الثاني في السلطة الذي لا يقل نرجسية عن اي بطل من ابطال المصارعة..مما جعله يحسب لهذه الظاهرة الف حساب لان عدنان القيسي خطف الاضواء من الجميع.فجأة وبعد كل هذا الانبهار ووعوده بتطوير رياضة المصارعة في البلد وفق صيغ عالمية و امريكية، صحى العراقيين في يوم من الأيام ولم يجدوا عدنان القيسي بينهم و لا من يتحدث عن بطولاته . فاما ان البطل قد فر بالغنيمة "گلب بالدخل كما يقول العراقيون" وتركهم يديرون برؤسهم يمنة ويسرة فلا يجدون له اسما أو لقبا يذكر وكأن شيئا لم يحصل واما انه تم تهديده من قبل رجال السلطة تهديدا مرعبا..فنفذ بجلده سريعا.شعب طيب و ساذج و يعيش في عزلة بعيدا عما يحصل في العالم منذ زمن بعيد.للذكرى:"تأثر الشباب العراقي والاطفال العراقيين بشخصية عدنان القيسي جعل معظم الشباب تتجه الى النوادي الاولمبية للتسجيل في فرق المصارعة..وكذلك صار الاطفال يقلدون ضربته العِكسية - كان يينهك الخصم بصفعات قوية على الوجه - او تبدو كذلك- ثم يقفز في الهواء ليضرب مؤخرة رقبة الخصم بعظمة العكس ليده اليمنى ويكرر ذلك عدة مرات حتى ينهار الخصم..سمعنا خلال تلك الفترة ان الكثير من الاطفال الصغار ادخلوا الى المستشفيات بسبب ضربات تلقوها من اخوانهم الاكبر سنا تقليدا لعدنان القيسي"وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق