رحلة في ذاكرة بغدادية - سبعينات القرن العشرين 1970 - 1979
الحلقة - 1
" قد لا تكون هذه هي وجهة نظر الآخرين ولكنها وجهة نظري الخاصة "
نشر الاصل في الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 09:11
"أعطي نصف عمري على أن أعيش بضعة أيام من السبعينات"
في عقد التسعينات و ما بعدها كثيرا ما كان يدور الحديث بيني و بين أصدقاء من أقراني أو اصغر أو اكبر سنا، عن عقد السبعينات من حياة العراق في القرن العشرين فقد كنت اسمّي هذا العقد من الزمن بالعقد الذهبي من حياة العراق في التاريخ المعاصر ولكثرة تطابق آراء كل من يشترك معي بالنقاش أو من كان يصغي إليه بحيث أن أحد الاصدقاء و رغم انه من مواليد السبعينات إلا أن ذاكرته لم يمسها ذلك العقد و إنما تفتحت في عقد الثمانينات حين كان العراق يخطو أولى خطواته في طريق التدهور و الدمار رغم أن إعلام النظام ذلك الوقت كان يحاول أن يقنع الجميع بأنه زمن النهوض و الارتقاء الحضاري قد بدأ مطلع الثمانينات، كان صديقي دائما يقول لي بالحرف الواحد " أعطي نصف عمري على أن أعيش بضعة أيام من السبعينات".
في عقد السبعينيات وعندما كانت كلمة "حرب" لا تعني لذلك الجيل من العراقيين إلا مجرد موضوع من الماضي الذي يسمعون عنه من آبائهم ويقرأونه فقط في الصحف و نشرات الأخبار و كتب التأريخ.
كانت اهتماماتهم و احاديثهم مختلفة تماما عما نراه و نسمعه في عصرنا الحالي، فقد كانت آخر حرب اشترك فيها العراقيون هي حرب تشرين 1973 و لم يكن لهم فيها حصة كبيرة سواء من حصص النصر أو الربح أو الخسارة مجرد مساهمة تعزيزية للجبهة السورية رغم اننا اعطينا عدد لا بأس به من التضحيات و الشهداء خالدي الذكر.
كانت اهتماماتهم و احاديثهم مختلفة تماما عما نراه و نسمعه في عصرنا الحالي، فقد كانت آخر حرب اشترك فيها العراقيون هي حرب تشرين 1973 و لم يكن لهم فيها حصة كبيرة سواء من حصص النصر أو الربح أو الخسارة مجرد مساهمة تعزيزية للجبهة السورية رغم اننا اعطينا عدد لا بأس به من التضحيات و الشهداء خالدي الذكر.
كان جل اهتمام العراقيين و احاديثهم مركزة على الحب و المودا وآخر تقليعات اوربا و أمريكا وعلى السفر إلى اليونان و لندن وأوربا الشرقية كبلغاريا وبولونيا وهل الذهاب إلى هناك بالطائرة احلى وافضل ام سياقة بالسيارة الخاصة عبر تركيا ؟ وعن أحدث الأفلام الأجنبية الرومانسية و الاجتماعية ( وليس أفلام الآكشن أو الرعب ) و عن الأفلام العربية وآخر الأغاني الجديدة لأم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش وتوم جونز و إنكلبرت هنبوردك وتينا تشارلز وديمس روسوس وفرقة آبا و بوني- إم وعائلة بندلي وعن آخر أخبار و فضائح الفنانين في مجلة الموعد اللبنانية الخاصة بأخبار السينما و الفنانين وأخبار شارع الحمرا في بيروت و آخر تقليعاته قبل أن يحترق لبنان بالحرب الطائفية.
بغداد كانت مدينة جميلة نظيفة ومبانيها الكبيرة والتي نراها متداعية اليوم كانت رائعة جديدة وشامخة، و كانت هذه المدينة الالواسعة افقيا و الخلابة والعذبة النسيم قد بدأت توا تتجمل و تنهض و تحاول أن تلحق بركب العواصم الأوربية الأنيقة في الوقت الذي كانت فيه أكثر العواصم العربية والخليجية مجرد مدن بسيطة قاحلة، فمثلا انتشرت في بغداد كابينات انيقة للهاتف العمومي مصنوعة من الالمنيوم والزجاج في كل الشوارع و كذلك توزعت على اعمدة الشوارع في كل مكان سلات بلاستيكية برتقالية انيقة للمهملات الشخصية في كل مكان و صارت من الأمور المعتادة في بغداد و المحافظات.
و في بغداد السبيعينات ابتدئ بتطبيق قوانين حضارية رائعة مثل قانون العبور من الاماكن المخصصة في كل الشوارع " خطوط العبور البيضاء" واشارة قف و اعبر الضوئية للسابلة وقانون ربط حزام الامان للسائق و الراكب و انتشرت تجربة المولات الكبيرة و عرفت باسم الاسواق المركزية و لم تكن قد ظهرت في الدول العربية بعد، ولكنها كانت موجودة في بغداد منذ الخمسينيات (حسو اخوان) و (اورزدي باك) في شارع الرشيد وحتى شركات بيع السيارات الامريكية و الالمانية.
ولكن للأسف سرقت الهواتف العمومية و استعملت كابيناتها كأماكن للتغوط و التبول من قبل الرعاع و احرقت سلات المهملات البلاستيكية لأن بعض المتخلفين كان يرمي اعقاب السكائر وهي مشتعلة فيها معتقدا انها نفاضة وتم غزو الاسواق المركزية من قبل فصائل الدلالات و عصابات السوق السوداء. ولكن لم تدم تلك المظاهر الحضارية التي بنيت ونظمت ولم تكافح تلك الممارسات السيئة ولم يتم توعية المواطن بشكل جدي ليتعرف ويتعود على كيفية التعامل مع مفردات الحضارة الحديثة وأصولها حتى أخفقت الكثير من تلك المظاهر الحضارية الجميلة في البقاء والاستمرار مثل نظام المرور والأتصالات والمولات وانظمتها التي ظلت خاوية على عروشها اثناء فترة الحصار وما بعدها.
للذكرى:
"اضافة للتجارب المذكورة التي ظهرت في العراق وبعد ان حققت نجاحا منقطع النظير لم تستمر وفشلت للاسف - فشلت واسقطت بتعاون الشعب مع الدولة ومنها الدولة هي السبب الرئيسي لفشلها - الشركة الافريقية للاجهزة الالكترونية والكهربائية - الشركة العامة للآلات الدقيقة - شركة الصناعات الخفيفة - سوق الثلاثاء والاسواق المركزية - مراكز الرعاية العلمية للهواة - المرصد الفلكي العراقي - مشروع مترو بغداد - بلانيتريوم بغداد (حرق اثناء السقوط) -هواتف الطواريء على الطرق الخارجية - اعادة اعمار شارع الرشيد - والقائمة طويل"
للحديث ..بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق