حرامي
بقلم: صالح حبيب
" ستهاجرون الى اوربا، وتلتزمون بالقانون ولا ترمون أعقاب السجائر على الارض.. ولا تدخنون في الاماكن العامة، وتعبرون من الأماكن المخصصة للعبور، وسيكون لديكم حس أمني حتى لو سرقت قطة من امام نافذتكم، ستبلغون الشرطة.
ستلبسون حزام الأمان عند قيادة السيارة وتضعون مقعدخلفي لطفل، وتقفون في الطابور حتى لو بلغ كيلومتر، وعندما تحصلون على الجنسية الاوربية وتنتخبون من يمثلكم، ستبحثون عن تاريخه وماضيه ومهنيته، لوفعلتم كل هذا في بلادكم لما دخلت عصابات الإجرام ولما سرقكم الانذال...محمود درويش"
يفعلون كل ذلك هناك يا ايها الشاعر الكبير سيد محمود درويش لأن هناك من يعلمهم ان يفعلوا ذلك في اوربا وامريكا ..بل يجبرهم بالقانون والعين الحمرا ان يحترموا القانون وان يتصرفوا بحضارة..فلا يمكن ان يفعلوا ذلك من تلقاء انفسهم.
في بلاد العرب ..بلاد علي بابا هم مشغولون بالسلب والنهب والتقاتل على الغنيمة التي يغنموها من ضعفائهم، حيث الغزو سُنة واجبة ومن تعاليم الدين الحنيف فما يتم سرقته من الآخرين هو غنيمة وهي الهدايا المحببة لديهم حتى انهم يدعون من الله لمسافرهم ان يعود سالما وغانما وكأنه سيعود من غزوة ونهب وسلب ..في مجتمع يصف الرجل الشجاع بعبارة (حرامي) ..هؤلاء لا يهتم احد من حكامهم بأن يعلمهم مفردات الحضارة التي تتحدث عنها.
لأول مرة اسمع مفردة حرامي كانت في بداية التسعينات من أحد الذين تعرفت عليهم ايام العسكرية والذي حاول ان يديم علاقته بي بعد العسكرية..
كان من سكنة بغداد، ومن خلال علاقتي به، ليس كصديق بل كرفيق عسكرية كان مفروضا علي ان اتعامل معه واجالسه وآكل معه بحكم تلك الظروف. لمست في طباعه صفاتً هي مزيجٌ من صفاتِ الرجل الذي اخذ من المدينة قشورها اللامعة دون معرفة كيفية التصرف حتى مع تلك القشور ولكن طريقة تفكيره وتصرفاته كانت تتميز بدهاء وعادات البدوي (الذي يعتبر النهب والغزو والتهريب هو مهنة محترمة بينما الزراعة والفلاحة هي مهنة حقيرة) وكانت فيه طيبة ودماثة وهدوء القروي وحسه العشائري.
في احدى المرات بعد ان صار بيننا اتفاق عمل..وفي معرض حديثه عن شخص يعرفه ..كان يشيد بصفاته وهمته بالعمل وبذكائه واحقيته بالمرأة التي تقدم لها ويقول عنه وهو يدفع بقبضة يده بقوة الى الامام بوضع الابهام فوق السبابة بشدة للتعبير عن الاشادة بصفته : " كان خوش ولد و سبع وحرامي"
هنا..توقفت في عقلي وظيفة ربط معاني الكلمات مع بعضها بشكل منطقي..فقاطعته مستفسرا
عفوا..صديقي..انت تقول انه انسان جيد و شجاع ..فلماذا تقول عنه "حرامي" ما علاقة تلك الصفات باللصوصية؟؟؟
وهنا راح يشرح للي بحكمة المعلم القديم عن تلك المفردة الذين لا يعرفها الجهّلة من امثالي:
" عندنا في العرب (في الريف او البادية) نطلق على الرجل الشجاع والوقح بانه حرامي..لأنه ينزل على البيوت رغم وجود اهلها ويسلبهم اموالهم واغراضهم ويخرج بكل شجاعة في الليل او في النهار"
على اية حال ..ان هذا الرجل في نهاية الامر سرقني في العمل المشترك بيني وبينه ..فأرسلت له مرسالا بيد احد الاصدقاء ان قل له " كم انت حرامي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق